أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي، المسلمين بتقوى الله في السر والعلن ،وصية للأولين والآخرين قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ).
وقال فضيلته في الخطبة التي القاها في المسجد الحرام اليوم :" إن التفكر والتدبر من العبادات العظيمة، والأعمال القلبية الجليلة التي يغفل عنها كثير من الناس، فالنظر في آيات الله المسطورة في كتابه، والمنثورة في كونه، والتفكر في أسمائه وصفاته، وجماله وجلاله، وعلمه وقدرته، وقوته وحكمته، وفي حلمه جلّ جلاله على عباده، كل هذا مما يزيد في إيمان العبد ويقينه؛ فلذا كان تدبر كلام الله، من أعظم مقاصد إنزاله، ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )، قال ابن القيم رحمه الله: فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ، فَلَا تَزَالُ مَعَانِيهِ تُنْهِضُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ بِالْوَعْدِ الْجَمِيلِ، وَتُحَذِّرُهُ وَتُخَوِّفُهُ بِوَعِيدِهِ مِنَ الْعَذَابِ الْوَبِيلِ، وَتَحُثُّهُ عَلَى التَّضَمُّرِ وَالتَّخَفُّفِ لِلِقَاءِ الْيَوْمِ الثَّقِيلِ، وَتَهْدِيهِ فِي ظُلَمِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ .
وأضاف فضيلته يقول : إن أعظم الناس هداية، وأسلمهم عاقبة في الدنيا والآخرة، مَن طلب الهدى في كتاب الله، قال تعالى ( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ )
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام، أن المؤمن إذا تلا كلام الله، تأمله وتدبره، وعرض عليه عمله، فيرى أوامره فيتبعها، ونواهيه فيجتنبها، ويحلّ حلاله، ويحرّم حرامه، ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، وما خوّفه به مولاه من عقابه خافه، وما رغّب فيه مولاه، رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، رُجي أن يكون تلاه حق تلاوته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً، وأنيساً وحرزاً، ونفع نفسه، وعاد عليها بكل خير في الدنيا والآخرة.
تابع يقول :" إذا كان القرآن هو كتاب الله المسطور، فإن الكون كتابه المنظور، فكل شيء فيه خاضع لأمره، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته وجلاله، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده، كما قال جل في علاه ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )
وذكر الشيخ المعيقلي، أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ظل في حياته دائم التفكر في آيات الله وآلائه، حتى لحق بالرفيق الأعلى، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذات ليلة: يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ويبكي، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث: لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ ) ، رواه ابن حبان في صحيحه.
وأوضح أن ذلك كان حال الصحابة والتابعين، رضي الله عنهم وأرضاهم، فابن عباس رضي الله عنهما يقول: " رَكْعَتَانِ مُقْتَصَدِتَانِ فِي تَفَكُّرٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ"، ولما سئلت أم الدرداء رضي الله عنها: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: التفكر والاعتبار، وَقَالَ الحسن البصري رحمه الله: "تَفَكُّرُ سَاعَةٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ "
واضاف فضيلته،أن الله عز وجل أمرنا في مواضع كثيرة من كتابه، بالنظر في السماوات والأرض، نادباً إلى الاعتبار بها، ومثرّبا على الغافلين عنها، فقال في سورة يونس ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ )، وقال تعالى ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ).
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي :" إن التفكر في عظمة هذا الكون واتساعه، في السموات وأفلاكها، والنجوم ومواقعها، والجبال الشاهقة، والبحار الغائرة، والصحاري المنقطعة، فمن تدبر ذلك، علم صِغرَ حجمه وهوانه وضعفه، وقلة حيلته، وكُسر كبرياؤه، وتواضعت نفسه، وصدق الله تعالى إذ يقول ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا )، وقال عز وجل ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) و إذا تفكر الإنسان في حاله وأصل خلقته، وأنه لم يكن شيئاً مذكورا، ثم مرّ بأطوار مختلفة، حتى استوى خلقه، وشق الله فيه سمعه وبصره، علم مقدار ضعفه وعجزه وأيقن بفقره إلى ربه، وفضله تعالى ومنته عليه ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) وقوله ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) .
و بين فضيلته أن من التفكر المحمود هو التأمل والتدبر في حال الدنيا، وسرعة زوالها، وعظم فتنتها وتقلب أحداثها، وتداول أيامها، وألم المزاحمة عليها، وما في ذلك من الغصص والأنكاد، فطالبها لا ينفك من همّ قبل حصولها، وهمّ في حال الظفر بها، وحزن وغم بعد فواتها، فمن تأمل ذلك لم يتعلّق قلبه بها، ونظر إلى الآخرة وإقبالها ودوامها، وما فيها من شرف الخيرات والمسرات، واجتهد في رضوان ربه، وعلم أن ما عنده خير وأبقى ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).
وأوضح أمام المسجد الحرام، أن المقصود بالتفكر في مخلوقات الله تعالى، التفكر والتأمل، الذي يقود العبد إلى الطاعة والتسليم، والانقياد لرب العالمين، حيث قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء، إلا رأيت لله علي فيه نعمة، ولي فيه عبرة "، ويتضح ذلك جليا في هديه -صلى الله عليه وسلم -، ففي صحيح مسلم، عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى .
وابان الشيخ المعيقلي أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - جمع بين التفكر في مخلوقات الله، والقيام إلى الصلاة، فجمع بين التأمل والعمل، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ فِي اللَّيْلِ، مَعَ النَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ التَّدَبُّرِ، وَإِذَا تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَاسْتِيقَاظُهُ وَخُرُوجُهُ، اسْتُحِبَّ تَكْرِيرُهُ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وقال فضيلته في الخطبة التي القاها في المسجد الحرام اليوم :" إن التفكر والتدبر من العبادات العظيمة، والأعمال القلبية الجليلة التي يغفل عنها كثير من الناس، فالنظر في آيات الله المسطورة في كتابه، والمنثورة في كونه، والتفكر في أسمائه وصفاته، وجماله وجلاله، وعلمه وقدرته، وقوته وحكمته، وفي حلمه جلّ جلاله على عباده، كل هذا مما يزيد في إيمان العبد ويقينه؛ فلذا كان تدبر كلام الله، من أعظم مقاصد إنزاله، ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )، قال ابن القيم رحمه الله: فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ، فَلَا تَزَالُ مَعَانِيهِ تُنْهِضُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ بِالْوَعْدِ الْجَمِيلِ، وَتُحَذِّرُهُ وَتُخَوِّفُهُ بِوَعِيدِهِ مِنَ الْعَذَابِ الْوَبِيلِ، وَتَحُثُّهُ عَلَى التَّضَمُّرِ وَالتَّخَفُّفِ لِلِقَاءِ الْيَوْمِ الثَّقِيلِ، وَتَهْدِيهِ فِي ظُلَمِ الْآرَاءِ وَالْمَذَاهِبِ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ .
وأضاف فضيلته يقول : إن أعظم الناس هداية، وأسلمهم عاقبة في الدنيا والآخرة، مَن طلب الهدى في كتاب الله، قال تعالى ( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ )
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام، أن المؤمن إذا تلا كلام الله، تأمله وتدبره، وعرض عليه عمله، فيرى أوامره فيتبعها، ونواهيه فيجتنبها، ويحلّ حلاله، ويحرّم حرامه، ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، وما خوّفه به مولاه من عقابه خافه، وما رغّب فيه مولاه، رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، رُجي أن يكون تلاه حق تلاوته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً، وأنيساً وحرزاً، ونفع نفسه، وعاد عليها بكل خير في الدنيا والآخرة.
تابع يقول :" إذا كان القرآن هو كتاب الله المسطور، فإن الكون كتابه المنظور، فكل شيء فيه خاضع لأمره، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته وجلاله، ناطق بآيات علمه وحكمته، دائم التسبيح بحمده، كما قال جل في علاه ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )
وذكر الشيخ المعيقلي، أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ظل في حياته دائم التفكر في آيات الله وآلائه، حتى لحق بالرفيق الأعلى، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذات ليلة: يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ويبكي، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث: لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ ) ، رواه ابن حبان في صحيحه.
وأوضح أن ذلك كان حال الصحابة والتابعين، رضي الله عنهم وأرضاهم، فابن عباس رضي الله عنهما يقول: " رَكْعَتَانِ مُقْتَصَدِتَانِ فِي تَفَكُّرٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ"، ولما سئلت أم الدرداء رضي الله عنها: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: التفكر والاعتبار، وَقَالَ الحسن البصري رحمه الله: "تَفَكُّرُ سَاعَةٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ "
واضاف فضيلته،أن الله عز وجل أمرنا في مواضع كثيرة من كتابه، بالنظر في السماوات والأرض، نادباً إلى الاعتبار بها، ومثرّبا على الغافلين عنها، فقال في سورة يونس ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ )، وقال تعالى ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ).
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي :" إن التفكر في عظمة هذا الكون واتساعه، في السموات وأفلاكها، والنجوم ومواقعها، والجبال الشاهقة، والبحار الغائرة، والصحاري المنقطعة، فمن تدبر ذلك، علم صِغرَ حجمه وهوانه وضعفه، وقلة حيلته، وكُسر كبرياؤه، وتواضعت نفسه، وصدق الله تعالى إذ يقول ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا )، وقال عز وجل ( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) و إذا تفكر الإنسان في حاله وأصل خلقته، وأنه لم يكن شيئاً مذكورا، ثم مرّ بأطوار مختلفة، حتى استوى خلقه، وشق الله فيه سمعه وبصره، علم مقدار ضعفه وعجزه وأيقن بفقره إلى ربه، وفضله تعالى ومنته عليه ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) وقوله ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) .
و بين فضيلته أن من التفكر المحمود هو التأمل والتدبر في حال الدنيا، وسرعة زوالها، وعظم فتنتها وتقلب أحداثها، وتداول أيامها، وألم المزاحمة عليها، وما في ذلك من الغصص والأنكاد، فطالبها لا ينفك من همّ قبل حصولها، وهمّ في حال الظفر بها، وحزن وغم بعد فواتها، فمن تأمل ذلك لم يتعلّق قلبه بها، ونظر إلى الآخرة وإقبالها ودوامها، وما فيها من شرف الخيرات والمسرات، واجتهد في رضوان ربه، وعلم أن ما عنده خير وأبقى ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).
وأوضح أمام المسجد الحرام، أن المقصود بالتفكر في مخلوقات الله تعالى، التفكر والتأمل، الذي يقود العبد إلى الطاعة والتسليم، والانقياد لرب العالمين، حيث قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء، إلا رأيت لله علي فيه نعمة، ولي فيه عبرة "، ويتضح ذلك جليا في هديه -صلى الله عليه وسلم -، ففي صحيح مسلم، عن ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى .
وابان الشيخ المعيقلي أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - جمع بين التفكر في مخلوقات الله، والقيام إلى الصلاة، فجمع بين التأمل والعمل، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ فِي اللَّيْلِ، مَعَ النَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ التَّدَبُّرِ، وَإِذَا تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَاسْتِيقَاظُهُ وَخُرُوجُهُ، اسْتُحِبَّ تَكْرِيرُهُ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .